لا يخلو مجتمعنا من وجود نماذج بشرية أستطيع القول بأنها مثالية أو على أقل تقدير مميزة من أدباء ،شعراء ،أطباء ، مفكرين ،فلاسفة ،عصاميين ،معلمين ،علماء ومشايخ أجلاء ، وكذلك أصدقاء وأقرباء ، لكنهم مغمورين لا يكاد يذكرون ولا يُشار لهم بالبنان ؛ رغم ارتفاع قاماتهم وعلو هممهم وهاماتهم ، وأفضلهم حالا من يُذكر بلسان اللوم والتقريع والنقد والتسفيه ( فهو على الأقل يذكر! )
ويستمر الحال على ماهو عليه، حتى تحين لحظة رحيلهم عن هذه الدنيا الزائفة! هنا يستيقض المجتمع على صوت نواحٍ وبكاءٍ ، وعويلٍ ورثاءْ؛ تمجيدًا لمناقبهم و تخليدًا لمآثرهم التي نسمع عنها لأول مرة ! فأين كانوا وأين كانت تلك المآثر ؟ ومن المسؤول عن حجبها عن النور ؟!
” ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ، صَبّحَنا
حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا “*
وقد يتبادر لأذهانكم الآن وأنتم تقرؤون هذا المقال أسماء بعض أولئك الراحلون المغمورين
نعم ؛ هم وغيرهم كثير ماتوا بيننا قبل أن يموتوا !
يقول الكاتب والشاعر الألماني “برتولت بريشت”:
“لا يموت الإنسان إلا حين لا يتذكره أحد”
فأقول كم من الموتى ( المميزين ) يعيشون بيننا اليوم ؟! فأقل حقوقهم علينا ألا نجعلهم موتى وهم على قيد الحياة ، ثم نسعى لنعيدهم للحياة بعد رحيلهم وندبج لهم قصائد المديح ورد الجميل ، أبعد أن رحلوا !؟
لماذا بخلنا عليهم ببضع كلماتِ مديحٍ – يستحقونها – كان الأولى أن يسمعوها منا ؟ كلمة حق في حقهم وهم أحياء والحق أولى أن يُجاب .
لماذا كان التهميش ديدننا مع معظم الرموز الفاعلين في مجتمعنا؟! حتى قل سوادهم وطغى سواد التافهين المنحلين الذين لا وزن لهم ولا قيمة ، ولا يمكن أن تقوم لهم قائمة ولا يسمع لهم ركزا في مجتمع واعٍ متحضرٍ يحتفي برموزه الشامخة ويقتفي أثرهم وينهل من معينهم الصافي أيَّا كان مشربهم.
نعم ” اذكروا محاسن موتاكم ” وهذا أمر ندب إليه ديننا الحنيف لكن لا تنسوا محاسن أحيائكم الموتى ؛ فتندموا ولات حين مندم .
رحم الله من مات وزاد الله في عمر من بقي منهم عمرا إلى عمره.
“فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثانِ”